أمنية لم تكتمل...
كنت أعمل في أحد الأماكن، وكان هدوء ذلك المكان يزداد حضورًا كلما جاءت فتاة في مقتبل العمر، تمشي بخطى خفيفة، لا ترفع عينيها عن الأرض. كانت ترتدي زيّ المدرسة بعناية لافتة، مرتبة المظهر، نظيفة الهيئة، وكأنها تنتمي لعالم أجمل من عالمنا، عالم تحترمه فيه الفتيات مدارسهن، ويحترمهن الحلم.
كانت تدرس في المرحلة الأخيرة من الأساس، تستعد لامتحانات شهادة الحياة كما نسميها، وتحب الدراسة بشكل لافت. لم أكن أعرفها عن قرب، لكن والدتها كانت تمر من حين إلى آخر وتتحدث بعفوية وحرقة عن حب ابنتها للعلم، عن تفوقها، عن طموحها الصامت الذي لا يُقال... بل يُعاش.
لكن كما يحدث للكثيرين، شاءت الظروف أن تتوقف مسيرتها عند تلك المرحلة. لم تكمل الثانوية. لم تدخل الفصول التي كانت تتمنى دخولها. والسبب... ليس ضعفًا في التحصيل أو قلة طموح، بل فقر. والدها كان يعمل غفيرًا في الجامعة، ووالدتها لا تعمل، إلى جانب مرض دائم يتطلب علاجًا مستمرًا. كان الراتب بالكاد يكفي قوت يومهم، ناهيك عن رسوم الدراسة.
وقفت الحياة أمامهم عند تلك العتبة. لم يستطع الوالد دفع الرسوم، ولم تستطع البنت أن تكمل الحلم.
وأنا... كم تمنيت في ذلك الوقت أن أكون قادرًا على مساعدتهم، أن أقدّم لها ما يمكن أن يُعيدها إلى مقعدها الدراسي، أن أفتح لها نافذة على الغد. لكني كنت في مكاني، لا أملك ما يُمنَح، سوى الحسرة.
مرت السنوات، وما زلت أتذكر تلك الفتاة. وما زالت أمنيتي القديمة حاضرة... أن تُتاح لها، ولأمثالها، فرصة جديدة، لأنهم يستحقونها.
— مزمل عثمان
تعليقات
إرسال تعليق