في لحظات الصمت العميق... حين تخفت الأصوات من حولك، ويتوقف كل شيء، يتكلم القلب. لا كلمات... بل ذكريات. تدور في داخلي صور متفرقة، بعضها باهت، وبعضها حيّ ينبض كأنه حدث البارحة. تأخذني الذاكرة إلى البيوت البسيطة... تلك التي كنا نظنها صغيرة، لكنها كانت تسع قلوبنا وأحلامنا. أتذكر حينا الجميل... وجدران بيوتنا الطينية التي كانت تحفظ ضحكاتنا وتخبئ أسرار طفولتنا. وأتذكر بيتنا... ومن فيه. وجوه غابت، لكن أرواحها ما زالت تسكن زواياه. ثم يأخذني الحنين إلى تجمعنا في “آخر محطة”... ذلك المكان الذي كنا نحتسي فيه القهوة ونتبادل الحكايات. ضحكات الأصدقاء، أحاديث بسيطة، وخيالات كانت تملأ السماء. يا لها من لحظات... كأنها تهرب من الوقت لتبقى فينا للأبد. أدركت الآن أن الذكريات ليست شيئًا مضى، بل هي ما يجعل القلب ينبض حين يصمت. – مزمل عثمان
إلى أين يمضي هذا المجتمع؟ لا وعي... لا مرشد... لا اتجاه. كأننا في مركبٍ انقطع شراعه، تائها في محيطٍ من الأصوات العالية والمبادئ المبتورة... كلٌّ يصرخ، كلٌّ يزعم أنه على صواب، لكننا لا نصل. نسير خلف الأضواء الخادعة، نُصفّق لمن لا يستحق، ونُدين من يحاول أن يُنير. الضياع ليس أن نُخطئ الطريق، بل أن ننسى أن للكون بوصلة. صار الجاهل يعلّم، والمتكبر يُنصّب، والحكيم يُقصى... صارت القلوب موصدة، والعقول مستعارة. لم نعد نبحث عن الحق، بل عن "الصوت الأعلى"... ولم نعد نحتكم إلى النور، بل إلى الظلال التي تُناسب عتمتنا. يا هذا المجتمع... إلى أين تمضي؟ أم أنك تمضي لتضيع؟
كنت أعمل في أحد الأماكن، وكان هدوء ذلك المكان يزداد حضورًا كلما جاءت فتاة في مقتبل العمر، تمشي بخطى خفيفة، لا ترفع عينيها عن الأرض. كانت ترتدي زيّ المدرسة بعناية لافتة، مرتبة المظهر، نظيفة الهيئة، وكأنها تنتمي لعالم أجمل من عالمنا، عالم تحترمه فيه الفتيات مدارسهن، ويحترمهن الحلم. كانت تدرس في المرحلة الأخيرة من الأساس، تستعد لامتحانات شهادة الحياة كما نسميها، وتحب الدراسة بشكل لافت. لم أكن أعرفها عن قرب، لكن والدتها كانت تمر من حين إلى آخر وتتحدث بعفوية وحرقة عن حب ابنتها للعلم، عن تفوقها، عن طموحها الصامت الذي لا يُقال... بل يُعاش. لكن كما يحدث للكثيرين، شاءت الظروف أن تتوقف مسيرتها عند تلك المرحلة. لم تكمل الثانوية. لم تدخل الفصول التي كانت تتمنى دخولها. والسبب... ليس ضعفًا في التحصيل أو قلة طموح، بل فقر. والدها كان يعمل غفيرًا في الجامعة، ووالدتها لا تعمل، إلى جانب مرض دائم يتطلب علاجًا مستمرًا. كان الراتب بالكاد يكفي قوت يومهم، ناهيك عن رسوم الدراسة. وقفت الحياة أمامهم عند تلك العتبة. لم يستطع الوالد دفع الرسوم، ولم تستطع البنت أن تكمل الحلم. وأنا... كم تمنيت في ذلك ا...
كاتب متميز جدا
ردحذف