الحزن الصامت... حين لا تعرف سبب الألم
الحزن الصامت... حين لا تعرف سبب الألم
في بعض الأيام، نصحو من نومنا ونحن نشعر بثقل لا نعرف مصدره. لا حدث سيئ وقع، ولا خيبة حديثة أصابتنا، لا مشكلة واضحة تعيقنا... ومع ذلك، نشعر بالحزن. ذلك الحزن الصامت، الذي لا صوت له ولا دموع، فقط يجلس في القلب كضيف ثقيل لا يريد المغادرة.
نسير في الحياة بمحاولةٍ دائمة لفهم أنفسنا، لتفسير كل إحساس، لإعطاء كل شعور اسماً، لكن هذا الحزن، تحديدًا، يرفض أن يُشرح. وكأن هناك شيئاً غائباً عنا، أو أن أرواحنا تذكّرت ألمًا لم نعد نذكره. لحظة السكون التي تسبق الانهيار، أو ربما الصراخ غير المسموع بداخلنا.
لماذا نشعر بالحزن دون سبب؟
هذا النوع من الحزن غالبًا ما يكون مرتبطًا بأمور أعمق من الأحداث اليومية. قد يكون تراكمًا لتجارب سابقة لم نمنحها الوقت للشفاء. قد يكون فراغًا في القلب لم نلتفت له وسط انشغالاتنا. أو ببساطة، قد تكون الروح بحاجة إلى استراحة من صخب الحياة.
علماء النفس يشيرون إلى أن الحزن العشوائي أحيانًا يكون انعكاسًا للضغوط غير المُعالجة، أو لذكريات طفولية لم يتم التعبير عنها. في لحظات السكون، تخرج هذه المشاعر دون دعوة. تمامًا كما تظهر موجة على سطح البحر في ليلة هادئة.
متى يظهر هذا الحزن؟
قد يزورنا هذا الحزن بعد لحظة فرح كبيرة، أو بعد إنجاز نعتقد أنه سيُشعرنا بالسعادة. نُصدم حين نكتشف أننا لا نشعر بشيء. وهذا يربكنا. نحن ننتظر الفرح بعد النجاح، لكن بدلاً منه، نجد أنفسنا فارغين.
كذلك، قد يظهر هذا الحزن في نهاية اليوم، حين تختفي الأصوات وتخفت الإضاءة، وتبقى أنت فقط مع أفكارك. هناك، في أعماق الصمت، تظهر المشاعر الحقيقية التي نخفيها تحت واجهات الابتسامة.
كيف نتعامل مع هذا الشعور؟
- لا تنكره: أول خطوة هي الاعتراف بالحزن. لا تحاول أن تبرره أو تخجل منه.
- اكتبه: أحيانًا يكون القلم أحنّ من كل من حولك. دوِّن ما تشعر به دون رقابة.
- تأمل: خصّص وقتًا للهدوء، للتنفس، للنظر في داخلك. لا تبحث عن إجابة، فقط كن حاضرًا مع ذاتك.
- تواصل: لا تتردد في الحديث مع من تثق به، فالكلمات تُفرغ الداخل وتخفف الحمل.
- لا تتسرع: لا تستعجل زوال الشعور. كل شيء يأخذ وقته، والحزن كذلك.
- مارس الرحمة الذاتية: لا تقسُ على نفسك. لا تطالبها بالسعادة القسرية.
وفي بعض الأحيان، كل ما تحتاجه هو كوب من الشاي، موسيقى هادئة، ونافذة تطل منها على العالم... دون أن تتكلم. دع الحزن يمرّ كما يأتي، دون مقاومة، مثل سحابة، تعرف أنها لن تبقى إلى الأبد.
"أحيانًا، أكثر ما نحتاجه هو شخص يقول لنا: أنا لا أفهم ما تشعر به تمامًا، لكنني هنا، معك."
تجربة شخصية: حين اختنقت بصمتي
أتذكر يومًا كنت فيه في قمة إنجازي المهني، الكل يهنئ، والرسائل تنهال، لكنني في داخلي كنت أشعر وكأنني غريب عن هذا الفرح. كنت في منتصف غرفة مليئة بالابتسامات، وأنا فقط أريد الانسحاب إلى ركنٍ مظلم لا يُسأل فيه أحد عن حاله.
ذلك اليوم، جلست وحدي وكتبت: "أنا لست بخير، رغم أن كل شيء يبدو بخير". حينها فقط، بدأت أفهم أن ما أعيشه ليس ضعفًا، بل إنسانية.
في الختام
الحزن الصامت لا يحتاج إلى حلول سريعة، ولا إلى إنكار. هو جزء من إنسانيتنا، من هشاشتنا الجميلة التي تجعلنا نشعر. إذا كنت تمرّ بهذه الحالة الآن، فقط تذكّر أنك لست وحدك. وهناك من يشعر مثلك، حتى وإن بدا العالم سعيدًا.
اسمح لنفسك أن تحزن... ففي بعض الأحيان، يكون الحزن بذرة الوعي، وبداية التعافي، وهمسة من القلب تقول: أنا هنا... استمع إليّ.
تعليقات
إرسال تعليق