الشوق إلي ودمدني:مدينة تسكن القلب

صورة تعبرعن اجواء ودمدني


الشوق إلى ود مدني: مدينة تسكن القلب

حين تهب نسمة... يعود الحنين

في كل مرة تهب فيها نسمة رطبة، يتسلل إليّ صوت ود مدني... لا من الناس، بل من الغيم، من الرائحة الأولى للمطر، من تلك الهمسة التي تمرّ على الروح وتوقظ فيها الحنين. هناك مدن تسكنك، لا تزورها، بل تعيشها بكامل تفاصيلها حتى بعد أن تبتعد عنها، تظل جزءًا من نبضك، من ذاكرتك التي لا تشيخ.

ود مدني... أكثر من مدينة

ود مدني... المدينة التي لم تكن مجرد محطات وشوارع وأبنية، بل كانت روحًا تتنفسك كل صباح. كل ركن فيها يحكي حكاية، وكل زقاق فيها له نغمة خاصة، كما لو أن المدينة كانت تعزف لساكنيها لحنًا لا يسمعه غيرهم. كنتُ أمشي بين شوارعها وأحمل في قلبي ألف سلام... على نيلها، على أشجارها الوارفة، على شرفاتها القديمة التي تشهد على حكايات لا تُروى.

تفاصيل لا تُنسى

هناك، حيث كانت السماء أقرب، والحياة أهدأ، والقلوب أنقى. لا شيء كان يضاهي صباحاتها... حين تفتح المقاهي أبوابها على مهل، وتبتسم المدينة لروّادها وكأنها تعرفهم جميعًا. كم أشتاق لحاراتها، لضحكات أطفالها وهم يركضون دون همّ، ولمقهى صغير يجلس فيه الغرباء وكأنهم أهل، يتبادلون الأحاديث وكأنهم يعرفون بعضهم منذ زمن.

أحن إلى تفاصيلها الصغيرة... إلى تلك السيدة العجوز التي تبيع الذرة على الرصيف، إلى البائع الذي يحفظ أسماء الزبائن، إلى ضوء الشمس حين ينعكس على الجدران الطينية، فيصنع منها لوحات لا يملك فنان رسمها. أشتاق لصوت الأذان من مسجد الحي، وللأمسيات التي كانت تفيض دفئًا رغم بساطتها.

حنين لا يخبو

ود مدني ليست مجرد مدينة... إنها ذاكرة لا تغيب، وصورة لا يشوبها الزمن. هي المكان الذي تعود إليه ولو بعد حين، تعود إليه بالقلب، إن لم يكن بالجسد. هي الحنين المتجدد، والدفء الذي لا يخبو، والملجأ حين يضيق بك هذا العالم الكبير.

كلما ضاقت بي المدن، وتعبت من صخب الأيام، أغمضت عينيّ وعدت إليها... هناك، حيث البساطة جمال، والناس قلوبهم مفتوحة مثل أبواب البيوت القديمة. أعود إليها، لا لأبحث عنها، بل لأبحث عني، عن تلك النسخة النقية من نفسي التي تركتها هناك منذ زمن.

مدينتي التي لم تغب

مهما طال الغياب، تبقى ود مدني أقرب إليّ من المدن التي أعيش فيها، وأدفأ من الفصول الأربعة. هي الذكرى التي لا تحتاج لصورة كي تعود، ولا لرسالة كي تنبض. يكفي أن تهب نسمة، أن يسقط مطر، أن تلمح ظلًّا من الماضي... فتعود المدينة بكاملها، تهمس لك: "أنا هنا".

— مزمل عثمان

تعليقات