الدين المعاملة.. قصة أحمد والتعامل بالحسنى
الدين المعاملة.. قصة أحمد والتعامل بالحسنى
في أحد الأحياء القديمة، كان يعيش رجل يُدعى أحمد، عُرف بين الناس بطيبته وحسن معاملته للجميع. كان أحمد يعمل في متجر صغير يملكه في السوق، وكان كل من يمر بجانبه يشعر بالراحة والطمأنينة بسبب ابتسامته الدائمة وكلماته الطيبة. لم يكن أحمد غنيًا، بل كان يعيش حياة بسيطة، لكنه كان غني القلب، واسع الصدر، لا يبخل على أحد بكلمة طيبة أو مساعدة مهما كانت بسيطة.
كان أحمد يؤمن إيمانًا عميقًا بأن الدين ليس مجرد طقوس تؤدى في المسجد، بل هو أسلوب حياة، يظهر في التعامل مع الناس، في الصدق والأمانة، في الرحمة والعدل، في الكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة. كان يردد دائمًا: "الدين المعاملة"، ويقول لأبنائه وجيرانه: "ما فائدة الصلاة والصيام إذا لم نعامل الناس بالحسنى ونساعد المحتاج ونحترم الكبير ونرحم الصغير؟"
وذات يوم، دخل إلى متجر أحمد رجل غريب المظهر، تبدو عليه علامات التعب والفقر. كان يرتدي ملابس قديمة، ويحمل حقيبة صغيرة على ظهره. وقف الرجل أمام أحمد وقال بصوت خافت: "يا أخي، أنا غريب عن هذا الحي، وأبحث عن عمل منذ أيام ولم أجد. لم أتناول طعامًا منذ البارحة، وليس معي مال. هل يمكنك أن تعطيني بعض الطعام؟ أعدك أنني سأعيد لك المال عندما أستطيع."
نظر أحمد إلى الرجل بعطف، ولم يتردد لحظة، بل قدم له الطعام والماء، وقال له: "لا تقلق، المهم أن تكون بخير. نحن إخوة في الإنسانية، والدين المعاملة."
جلس الرجل على كرسي في زاوية المتجر، وأكل بشهية، ثم شكر أحمد بحرارة ودعا له بالخير والبركة.
مرت الأيام، وبدأ الناس يتحدثون عن كرم أحمد وحسن معاملته، حتى أصبح متجره مقصدًا لكل محتاج أو غريب. لم يكن أحمد يفرق بين غني وفقير، أو بين قريب وغريب، بل كان يعامل الجميع بالعدل والرحمة. كان يساعد الأرملة في حمل حاجياتها، ويعطي الفقير من ماله القليل، ويبتسم في وجه الأطفال ويوزع عليهم الحلوى. كان إذا رأى أحد جيرانه في ضيق، بادر إلى مساعدته دون أن ينتظر طلبًا أو مقابلًا.
وذات مساء، عاد الرجل الغريب إلى المتجر، لكنه لم يكن كما كان في المرة الأولى. كان يرتدي ملابس نظيفة، ويحمل معه كيسًا صغيرًا من المال. اقترب من أحمد وقال له: "لقد ساعدتني في وقت ضيقي، ولم تسألني عن اسمي أو أصلي. اليوم جئت لأرد لك الجميل، وأخبرك أنني وجدت عملاً بفضل كلماتك الطيبة التي منحتني الأمل."
ابتسم أحمد وقال: "ما فعلته معك هو ما أوصانا به ديننا الحنيف، فالدين المعاملة. لا قيمة للعبادات إذا لم نعامل الناس بالحسنى ونساعدهم في أوقات الشدة."
شعر الرجل بالامتنان الشديد، وأصبح يزور أحمد بين الحين والآخر، يساعده في المتجر، ويقص عليه أخبار عمله الجديد. أصبح الرجل الغريب صديقًا لأحمد، وتعلم منه الكثير عن معنى الإحسان والرحمة.
ومع مرور الوقت، بدأت قصة أحمد تنتشر في الحي، وأصبح قدوة للجميع في حسن الخلق والمعاملة الطيبة. تعلم الناس منه أن الدين ليس فقط في الصلاة والصيام، بل في الرحمة والتسامح وحب الخير للآخرين. بدأ الجيران يتنافسون في فعل الخير، وأصبح الحي أكثر ترابطًا ومحبة.
وذات يوم، جاء طفل صغير إلى متجر أحمد، يحمل في يده قطعة نقود صغيرة، وقال له: "يا عم أحمد، أمي مريضة في البيت، وليس معنا مال كثير. هل يمكنك أن تعطيني بعض الدواء بهذا المبلغ؟"
نظر أحمد إلى الطفل بحنان، وأعطاه الدواء وبعض الحلوى، وقال له: "بلغ سلامي لأمك، وقل لها إننا إخوة، وسنقف بجانبها حتى تتعافى."
شعر الطفل بالسعادة، وركض إلى بيته وهو يحمل الدواء والحلوى. وعندما علم الجيران بما فعله أحمد، اجتمعوا وجمعوا المال لمساعدة الأم المريضة، وتناوبوا على زيارتها والاعتناء بها حتى شفيت.
لم يكن أحمد يفعل الخير ليحصل على الشكر أو المدح، بل كان يفعل ذلك إرضاءً لله، واتباعًا لسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي قال: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس."
وذات يوم، جاء رجل غني إلى متجر أحمد، وقال له: "سمعت عن كرمك وحسن معاملتك، وأريد أن أشاركك في عمل تجاري كبير. سأوفر رأس المال، وأنت تدير العمل بأمانتك وصدقك."
شكر أحمد الرجل على ثقته، لكنه اعتذر بلطف، وقال: "أنا سعيد بحياتي البسيطة، وأفضل أن أبقى قريبًا من الناس، أساعدهم وأقف بجانبهم. المال ليس هو الهدف، بل رضا الله وحب الناس."
أعجب الرجل الغني بحكمة أحمد، وقرر أن يتعلم منه، وأصبح يأتي إلى المتجر ليساعد الفقراء ويشارك في الأعمال الخيرية. وهكذا، أصبح متجر أحمد مركزًا للخير والمحبة في الحي، يجتمع فيه الناس من كل الطبقات والأعمار، يتبادلون القصص ويقدمون المساعدة لبعضهم البعض.
ومع مرور السنوات، كبر أحمد في السن، لكنه ظل كما هو، قلبه مليء بالحب والرحمة، ولسانه لا ينطق إلا بالخير. وعندما مرض أحمد في أواخر عمره، اجتمع أهل الحي حوله، يعتنون به ويردون له الجميل. قال لهم أحمد وهو يبتسم: "لقد علمتني الحياة أن الدين ليس فقط في العبادات، بل في المعاملة الطيبة. عاملوا الناس كما تحبون أن يعاملوكم، وكونوا رحماء متسامحين، تجدوا السعادة في الدنيا والآخرة."
رحل أحمد عن الدنيا، لكن أثره بقي في قلوب الناس، وأصبح اسمه يُذكر في كل مجلس، وقصته تُروى لكل طفل، ليبقى درسًا خالدًا في أن الدين المعاملة، وأن الخير لا يضيع أبدًا، بل يعود إلى صاحبه أضعافًا مضاعفة.
وهكذا، بقي أحمد رمزًا للمعاملة الحسنة، يذكره الجميع بالخير، ويقتدون به في حياتهم اليومية، لأنهم أدركوا أن الدين المعاملة، وأن الكلمة الطيبة واليد الممدودة بالخير تصنعان فرقًا كبيرًا في حياة الآخرين، وتبني مجتمعًا متماسكًا يسوده الحب والتسامح والسلام.
بقلم: مدونة خواطرمزمل
تعليقات
إرسال تعليق