اختفاء في صمت الليل

 

الجزء الأول: اختفاء في صمت الليل

في قلب المدينة الصاخبة التي لا تنام، حيث تتلألأ أضواء النيون وتتعالى أصوات الحياة على مدار الساعة، كانت ليلى أحمد تعيش حياة هادئة ومنظمة. في الثامنة والعشرين من عمرها، كانت ليلى مصممة جرافيك مستقلة، تقضي معظم أيامها خلف شاشة حاسوبها، تحول الأفكار المجردة إلى تصاميم بصرية آسرة.

شقتها الصغيرة في الطابق الخامس من مبنى قديم الطراز، كانت ملاذها الخاص، حيث تتراكم الكتب الفنية وأدوات الرسم بجانب أحدث التقنيات الرقمية. كانت ليلى انطوائية بطبعها، تفضل صحبة ألوانها وأفكارها على صخب التجمعات الاجتماعية الكبيرة، لكن هذا لم يمنعها من امتلاك دائرة صغيرة ومخلصة من الأصدقاء المقربين، وعلى رأسهم سارة، صديقة الطفولة ورفيقة الروح.

في مساء يوم خميس عادي، أنهت ليلى عملها على مشروع تصميم شعار لشركة ناشئة. كانت قد أمضت ساعات طويلة في التركيز، وشعرت بالإرهاق يتسلل إلى عظامها. أغلقت جهاز الكمبيوتر، وتناولت وجبة خفيفة، ثم استغرقت في قراءة رواية بوليسية جديدة كانت قد بدأت فيها للتو. كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة مساءً عندما وضعت الكتاب جانبًا، وشعرت بالنعاس يغلبها. أرسلت رسالة نصية سريعة إلى سارة تخبرها بأنها ستنام مبكرًا، ثم خلدت إلى فراشها. كان ذلك آخر تواصل معروف لليلى أحمد.

في صباح اليوم التالي، بدأت سارة تشعر بالقلق. لم ترد ليلى على مكالماتها الصباحية المعتادة، ولم ترسل رسالتها اليومية التي تتضمن صورة لفنجان قهوتها الصباحي. في البداية، اعتقدت سارة أن ليلى ربما نامت لوقت متأخر، أو أنها مشغولة بمشروع طارئ. لكن مع مرور الساعات، وتجاهل ليلى لرسائلها المتكررة، بدأ القلق يتحول إلى خوف حقيقي. ليلى لم تكن من النوع الذي يتجاهل أصدقاءه، خاصة سارة. كانت دقيقة في مواعيدها، وملتزمة بكل تفاصيل حياتها.

في منتصف الظهيرة، وبعد محاولات يائسة للاتصال بليلى، قررت سارة الذهاب إلى شقتها. وصلت إلى المبنى القديم، وصعدت الدرج بخطوات متسارعة، قلبها يدق بعنف. طرقت الباب عدة مرات، لكن لا رد. حاولت فتح الباب، لكنه كان مغلقًا بإحكام. اتصلت بوالدة ليلى، التي تعيش في مدينة أخرى، وأخبرتها بقلقها. الأم، التي كانت تعرف مدى التزام ابنتها، شعرت بالذعر على الفور، وطلبت من سارة الاتصال بالشرطة.

وصل الرائد خالد منصور إلى شقة ليلى بعد حوالي ساعة. كان خالد، في الأربعين من عمره، محققًا ذا خبرة واسعة في قسم الجرائم الغامضة. كان وجهه يحمل علامات التعب، لكن عينيه كانتا حادتين ومركزتين. استمع إلى سارة ووالدة ليلى عبر الهاتف، ثم بدأ في فحص الشقة. لم تكن هناك أي علامات على اقتحام قسري. الباب كان مغلقًا من الداخل، والنوافذ كانت محكمة الإغلاق. بدا الأمر وكأن ليلى غادرت الشقة بمحض إرادتها، ثم اختفت في الهواء.

داخل الشقة، كان كل شيء في مكانه. الأثاث مرتب، الأطباق مغسولة، وحتى الكتب كانت مصفوفة بدقة على الرفوف. لكن هناك شيئان لفتا انتباه خالد على الفور: هاتف ليلى المحمول كان ملقى على طاولة القهوة، وجهاز الكمبيوتر المحمول كان مغلقًا على مكتبها. بالنسبة لشخص يعتمد على هذه الأجهزة في عمله وحياته اليومية، كان تركهما وراءها أمرًا غريبًا للغاية.

هذا لم يكن اختفاءً عاديًا. هذا كان اختفاءً في صمت الليل، دون أي أثر، ودون أي تفسير منطقي. بدأ خالد وفريقه في تمشيط الشقة بحثًا عن أي دليل، أي خيط قد يقودهم إلى ليلى. فحصوا كل زاوية، كل درج، كل قطعة أثاث. لم يجدوا أي رسالة وداع، أي ملاحظة، أي شيء يشير إلى وجهتها أو سبب اختفائها. كانت الشقة صامتة، وكأنها تحتفظ بأسرار ليلى لنفسها.

سأل خالد سارة عن أي أعداء محتملين لليلى، أي مشاكل كانت تمر بها، أي علاقات غامضة. لكن سارة أكدت أن ليلى كانت شخصًا مسالمًا، لا تحب المشاكل، وليس لديها أي أعداء معروفين. حياتها كانت بسيطة ومباشرة.

مع غروب الشمس، وبدء الليل في إلقاء ظلاله على المدينة، أدرك خالد أن هذه القضية ستكون معقدة. اختفاء شخصية عادية بهذه الطريقة، دون أي دافع واضح أو علامات صراع، كان أمرًا نادرًا ومحيرًا. كان يعلم أن الساعات الأولى حاسمة في أي قضية اختفاء، لكن كلما تعمق في التحقيق، كلما زادت الأسئلة وتلاشت الإجابات.

أين ذهبت ليلى أحمد؟ ولماذا تركت كل شيء وراءها؟ كانت هذه الأسئلة تتردد في ذهن خالد وهو يغادر الشقة، تاركًا خلفه الصمت الذي ابتلع ليلى أحمد في ليلة غامضة.


تم النشر بواسطة: مدونة خواطر مزمل

تعليقات